صناعة الزجاج في سورية تراث أصيل

السبت 11 إبريل 2020 - 16:02 بتوقيت غرينتش
صناعة الزجاج في سورية تراث أصيل

صناعة الزجاج مهنة عريقة اشتهرت بها دمشق، ولايزال السوريون رغم الآلات الحديثة التي دخلت على هذه الصناعة يحافظون على الأسلوب التقليدي فيها، لتنشأ بين الرمل والنار حكاية هذه الحرفة وسر نجاحها.

تعد صناعة الزجاج التقليدية بسورية عامة وبدمشق خاصة، من أهم الصناعات التقليدية التي تستدعي اهتمام السائح، فلا يكاد السائح يحط رحاله بدمشق.

 

 

ولعل من أهم أسباب اهتمام المستشرقين والباحثين بهذه الصناعة، إنما يعود إلى أن أول اكتشاف للزجاج في العالم كان ببلاد الشام، فضلاً عن ذلك، فإن المتاحف السورية، تزخر بنفائس فريدة من المنتوجات الزجاجية التي تعود إلى مختلف العهود الكنعانية والرومانية، وسائر العصور الإسلامية.

 

وقد عد الثعالبي هذه الصناعة من خصائص الشام، وضُرب بها المثل القائل: أرق من زجاج الشام.. واستمر ذلك حتى بين الحرب العالميتين حيث تعرضت صناعة الزجاج هذه إلى كَبْوات.

 

أتى مؤسس هذه الصناعة، من عائلة القزاز إلى دمشق، من مدينة الخليل في فلسطين، فاستوطن حي الشاغور بدمشق، وأنشأ فرناً لهذه الصناعة بمنزله، عمل بهذا الفرن مع أفراد أسرته، ثم تعددت الأفران بهذا الحي، وما لبثت أن انتشرت بشمالي سورية، وبرع صناعها في بلدة أرمناز الذين كان لهم دور مرموق في تغطية حاجات المناطق الشمالية من سورية، من المنتوجات الزجاجية فشاركوا بذلك زملاءهم الدماشقة، وإذا كانت أفران الزجاج منزلية بأول أمرها، فإن هذه الأفران بعد أن كثر الطلب على منتوجاتها، ما لبثت أن توسعت وانتقلت إلى خارج المنزل، وقد كان فرن الزجاج يتكون من حوضين مبنيين من الآجر الناري (المتحمل للحرارة) هما: حوض الانصهار وحوض التصفية، وسقف هذين الحوضين منخفض ومقبب بعض الشيء، وفوقه مساحة تعلو إلى نحو 100 سم وهي مسقوفة بالتوتياء المغطاة بطبقة من الطين أو نحو ذلك، ويتخذ هذا المكان لتخمير القطع الزجاجية التي جرى صنعها، من قطر ميزان وأباريق وأراكيل (نراجيل).

 

 

وقد شمل ذلك الصناع والأجراء، ومن يرافقهم من العاملين، ولكل من هؤلاء عمل خاص ينفرد به، أما عدد العاملين بفرن الزجاج فيرتبط باتساع وكبر الفرن، كما يرتبط بعدد الفتحات (الطاقات) التي يقطف منها عجينة الزجاج، بغية صنعها وفقاً للطلب.

 

وكان من العاملين بفرن الزجاج ما يعرف بالصانع ثم المسطر ثم المخدم، فالصانع هو العنصر الأساسي الذي يعمل على قطف عجينة الزجاج من الطاقة المفتوحة على تلك العجينة، ثم يعمل على نفخ تلك العجينة ومعالجتها حتى تصبح آنية صالحة للاستعمال.

 

أما المخدم فإن عمله ينحصر في تسهيل عمل الصانع، بمناولته بعض أدوات العمل، وكذلك فتح القالب الخاصة بالقطعة التي تحيد الإنجاز، ومن ثم إغلاق ذلك القالب على تلك القطعة، حتى إذا جرى نفخها يفتح المخدم للصانع ذلك القالب، وفي جميع الأحوال فإن عمل المخدم إنما ينحصر بحدود العمل ضمن مكان العمل، ولا يتعداه إلى خدمات أخرى خارج المعمل.

 

أما المسطر فيقوم بتداول القطع الزجاجية المنجرة من الصانع، بوساطة ما يعرف بالسفّول، وهو قضيب معدني، وقد يكون قطعة خشبية طويلة يدخلها المسطر ضمن الآنية المنجرة، ليقوم الصانع بفصلها عن ما يعرف بالبولين، ومن ثم يعمد المسطر إلى وضع تلك القطعة بالقسم الأعلى من الفرن لتبرد ببطء وبالتالي تكون تلك القطعة صالحة للاستعمال.

 

فقام عدد من معلمي حرفة الزجاج بإنتاج تعديلات ما تزخر به الدور والمتاحف من الأدوات والتحف الزجاجية، ومن ذلك الزهريات والقناديل والمشكاوات والثريات الحديثة، وغير ذلك مما تتطلبه الحياة المعاصرة للصالونات والدور الفارهة والفنادق السياحية، ومحال العرض الكبرى.

 

كان من أميز أولئك المجددين لحرفة الزجاج التقليدية السيد حسن القزاز (أبو نذير) عميد آل القزاز وشيخ كار حرفة الزجاج التقليدية في دمشق.

 

ولا بد من الإشارة إلى أن الالتزام بنوعية الإنتاج التي توافق الأذواق المعاصرة مع توخي الجودة بنوعية الإنتاج، نجم عنه تناقص بعدد أفران صناعة الزجاج التقليدية، حتى أصبح عدد هذه الأفران فرنين، الأول بشرقي التكية السليمانية في سوق المهن التقليدية في دمشق والفرن الآخر بمنطقة باب شرقي في دمشق، ويعمل بكل منهما عدد من الصناع المهرة الذين توارثوا الكار (الحرفة) كابراً عن كابر.

 

وبالتالي فقد انحصر الإنتاج بصنع أنواع القناديل على مختلف أشكالها وأحجامها، وكذلك المشكاوات والتعاليق والفوانيس وأشكال عناقيد العنب والمزهريات والمشربيات والأباريق.

 

ولعل أهم ما تميز به فرن سوق المهن اليدوية، ما يطلق عليه اسم: الطقم الشرقي الذي يتكون من كازين ضوئيين، ومزهريتين ومطبقيتين بغطاء لكل منهما، وهذا الطقم يماثل الطقم الذي كان يتغاوى ويتفاخر به أصحاب القصور والدور الفارهة في دمشق، حيث كان هذا الطقم يصمد على البيرو المصدف والمطعم بالعاج والفضة والقصدير.

مزيد من الصور

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019