الكنيسة المريمية أقدم كنائس دمشق

الثلاثاء 2 يونيو 2020 - 16:22 بتوقيت غرينتش
الكنيسة المريمية أقدم كنائس دمشق

سُمّيت الكاتدرائية بِاسم «كنيسة مريم»

 

 

تُعدّ من الكنائس الأثرية القديمة، في بلاد الشام أيضاً، وارتبط تاريخها العريق بتاريخ دمشق، وهي مقرّ بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.

ترتفع إلى جانب الكنيسة من الخارج مئذنة متوسّطة الطول كانت تُستخدَم أيام الدولة العثمانية لإقامة الآذان في المنطقة، وهذا يدل على جمال دمشق وتآلف أهلها، حيث نرى قبب الكنائس ومآذن المساجد يتعانق فيها الهلال والصليب معاً لتشكّل نسيجاً متماسكاً للعيش المشترك، ولوحة تحكي عن عراقة المكان وأهله.

تقع الكاتدرائية المريمية في «دمشق القديمة»، على يسار الطريق المستقيم المتّجه إلى باب شرقي، من باب الجابية. لهذا، عند زيارتها، لا بدّ من المرور بالشارع المستقيم، وهو الشارع الذي يحمل الكثير من الأهمية الدينية والتاريخية للدمشقيين.

 

بناه الرومان في القرن الأول قبل الميلاد، وكان الشارع الرئيس لمدينة دمشق القديمة، وقد سمّى الرومان الشارع بِاسم «فيا ريكتا» أي الطريق المستقيم. وجاء بناء الشارع بما يتناسب وأسلوب بناء المدن اليونانية والرومانية، أي أسلوب البناء الشطرنجي الهلنستي، والمقسّم بالشوارع الصغيرة إلى أحياء صغيرة.

 

ذُكر الشارع المستقيم في الإنجيل، وذلك في سِفر أعمال الرسل. أما الشارع الحديث فهو مقسّم إلى قسمين: القسم الأول يُعرف بِاسم «شارع باب شرقي»، ويمتد من قوس النصر حتى باب شرقي. أما القسم الثاني، فيُعرف بِاسم «شارع سوق مدحت باشا»، وهو يمتد من باب الجابية وحتى قوس النصر، وبعض أجزائه مغطّى بسقف حديدي.

 

التسمية والتاريخ

سُمّيت الكاتدرائية بِاسم «كنيسة مريم» نسبة إلى اسم السيدة العذراء، وهي في الأصل كلمةٌ آراميةٌ، وصفةٌ مؤنّثةٌ بمعنى «نقية أو طاهرة».

يعود تاريخ الكنيسة المريمية الرئيسة إلى القرن الأول المسيحي. وفي عهد الامبراطور قسطنطين الأول، اعترفت الامبراطورية البيزنطية لرعاياها بحرّية العبادة. عندئذ أصبح المسيحيون قادرين على إعلان إيمانهم من دون التعرّض للاضطهاد.

وبقيت «كنيسة مريم» في الخدمة حتى وصول الجيوش الإسلامية إلى مدينة دمشق، الذين قاموا بمحاصرتها، وتم فتح المدينة على يد خالد بن الوليد حرباً، وعلى يد أبي عبيدة بن الجراح صلحاً، وهكذا خضعت المنطقة التي تم فتحها حرباً لسيطرة الدولة الإسلامية، وتم استملاك مبانٍ كثيرة، بينما بقيت المنطقة التي تم فتحها صلحاً تحت سيطرة أصحابها.

على رغم تعرّضها للخراب عدّة مرات، إلا أنّها من الكنائس التي حافظ عليها الفتح الإسلامي، الذي دخل دمشق عام 635، حيث فتحت الجيوش العربية الإسلامية دمشق من بابين: الباب الشرقي بقيادة خالد بن الوليد لتعلن الحرب، ومن باب الجابية الغربي، بقيادة أبي عبيدة بن الجرّاح، معلنةً الصلح بوساطة سرجون النصراني، جدّ القديس يوحنّا الدمشقي. والتقى الجيشان عند المئذنة البيضاء بجوار الدار البطريركية الأنطاكية حالياً الكنيسة المريمية فأغلقت الكنيسة، واعتبرت من أملاك الدولة لوقوعها على الحدّ الفاصل بين دخول جناحَي جيش المسلمين.

ظلّت الكنيسة مغلقة حتى عام 706، ما أدّى إلى إهمالها وتخريبها. وفي السنة نفسها، قام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بإعادتها إلى الرعية الأرثوذكسية مقابل كاتدرائية يوحنا المعمدان، التي أصبحت في ما بعد الجامع الأموي. حيث قال لهم: إننا نعوّض عليكم عن كنيسة «يحيى» بكنيسة «مريم».

تعرّضت الكنيسة بعد عهد عمر بن عبد العزيز لحرائق وأعمال تخريبية كثيرة، ففي عام 926 دُمّرت الكنيسة على يد بعض المخرّبين، وأمر الخليفة المقتدر بالله بإعادة ترميمها، وخُرّبت من جديد عام 1260، وأعيد بناؤها، ثمّ خرّبها جنود تيمورلنك عام 1400، ونهبوا كنوزها وأوانيها فأعاد البطريرك ميخائيل الثالث إعمارها وترميمها.

عام 1342 انتقل مركز الكرسي البطريركية الأنطاكية إلى الكنيسة المريمية، وأصبحت مقرّاً بطريركياً لطائفة الروم الأرثوذكس.

وعام 1759، وقعت في دمشق هزّة أرضية عنيفة أدّت إلى تصدّع جدران الكنيسة، وبقيت على حالها حتى وصول البطريرك دانيال عام 1767، الذي استأذن والي دمشق محمد باشا العظم بهدمها وإعادة بنائها، وكان ذلك عام 1777.

في عهد الوالي التركي ختكين، أُعيد بناء الأسقفية المريمية والكنيسة، فقام الأهالي بتجميلها وتزيينها حتى أصبحت من الأماكن الرائعة في دمشق.

وعام 1860، أُحرقت الكنيسة وخُرّبت، فأعاد البطريرك إيروثيوس الأول بناءها، وضمّ إليها ساحة كنيسة كبريانوس ويوستينا، ودمج هذه الكنائس في كنيسة واحدة سمّيت المريمية.

عام 1953، عانت الكنيسة من تصدّع في سقفها، فقام البطريرك آلكسندروس الثالث بتجديدها، وأعاد النقوش والألوان والرسوم إليها بأموال تم تقديمها من الحكومة السورية ومن مؤسسات الرعية الأرثوذكسية.

 

الوصف المعماري

 

طراز الكنيسة بيزنطي، وهي تتّسع إلى ستمئة شخص، وتقام فيها الشعائر الدينية المختلفة. يتوسط القاعة وعلى الجانبين منبران من الحجر لكل منهما سلّم ملتوٍ كانا يستخدمان لقراءة الإنجيل. وفيها على الجانبين اثنتان مما يسمّى «بالبيما» وهو مكان وقوف الكورال أي الكورس الذي يردّد الصلوات والتراتيل الدينية خلف الكاهن، والذي يقوم بالغناء الكورالي في الاحتفالات الدينية. في صدر الكنيسة يوجد «الأيقونسطاس»، وهو عبارة عن حاجز خشبي يمتد على عرض الكنيسة، توضع عليه أيقونات للمسيح والعذراء وباقي الرسل. أما في واجهة الكنيسة، فتوجد المنصة الحمراء التي يقف عليها الكهنة لتأدية الصلوات. وخلف الواجهة يوجد المذبح والغرف المخصّصة للطقوس الدينية. تجاور المنصّة عن اليمين واليسار مقاعد حمراء مخصّصة للضيوف. وللكنيسة طابق علوي كان يستخدم سابقاً كمكان لصلاة النساء. سقف الكنيسة خشبي وهو يعتبر لوحة فنية لما فيه من نقوش وزخارف. أما جدران الكنيسة فتملؤها اللوحات الفنية والأيقونات المختلفة أهمها أيقونة المسكوبية. وللكنيسة فناء أمامي وآخر جانبي فيه البرج الجرسي.

تضمّ الكاتدرائية خمس كنائس: الأولى كنيسة السيدة مريم وهي الكنيسة الرئيسة، وكنيسة القديسة كاترينا وهي كنيسة تم ضمّها أيضاً إلى الكنيسة المريمية خلال الترميم، وفيها متحف للألبسة والأوسمة والأيقونات المتوارثة من البطاركة والرهبان.

وكنيسة مار تقلا، وهي كنيسة ضُمَّت إلى الكنيسة المريمية، وهي مقرّ الكرسي البطريركية الأنطاكية للروم الأرثوذكس.

وأيضاً ساحة كنيسة القديسين كبريانوس ويوستينا وكنيسة القديس نيقولاوس وهما كنيستان تم ضمّهما إلى الكنيسة المريمية، كما أن هناك البرج الجرسي الذي تم بناؤه في زمن البطريرك إسبريدون 1891.

وهناك أيضاً جناح كامل للمقر البطريركي، فيه صالة كبيرة لاستقبال الضيوف وعدد من الغرف ومكتبة.

ويحكى أن الرحالة العربي ابن جبير، بعدما زار الكنيسة عام 1184، قال عنها: داخل البلد كنيسة لها عند الروم شأن عظيم، تُعرف بِكنيسة «مريم». ليس بعد كنيسة بيت المقدس عندهم أفضل منها، وهي جميلة البناء تتضمّن من التصاوير ما يبهر الأفكار ويستوقف الأبصار.

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019