تل كزل أهم موقع فينيقي ومركز لمدينة سيميرا في طرطوس

السبت 15 أغسطس 2020 - 10:59 بتوقيت غرينتش
تل كزل أهم موقع فينيقي ومركز لمدينة سيميرا في طرطوس

تل كزل الذي يضم مدينة سيميرا الأثرية يقع في محافظة طرطوس في سورية إلى الجنوب من مدينة طرطوس في سهل عكار ويعتبر تل كزل من أكبر التلال الجمعية في الساحل السوري، وقد ورد ذكر المدينة في حملات تغلات بيلاصر الثالث، وفي كتب اليونان القدماء، وقد ذكرت (مدينة سيميرا) في مراسلات تل العمارنة المصرية وذكرت في التوراة.


وخلال التنقيبات الاثرية في المواقع والتلال الاثرية في محافظة طرطوس حدد علماء الآثار عن هذه المدينة الضائعة في المنطقة المشار إليها في الوثائق القديمة.

موقع مدينة "سيميرا" هو مرتفع يتميز بكبره واتساعه، يسمى حالياً تل الكزل الواقع على الشاطئ الأيمن لنهر الأبرش، ويقع على بعد 3.5 كيلومتراً من مصبه. و3 كيلو متراً عن الشاطئ يمتاز هذا التل بالاتساع والارتفاع حيث تعتبر مساحة أعلى التل أكثر من 40 دونم، أطرافه قائمة وشديدة الانحدار مما يشير إلى وجود سور كان حوله. شكله بيضوي يرتفع عن السهل المجاور 25 متراً تقريبا، ويبعد عن مدينة طرطوس 28 كم، وكما يقول استرابون: كانت سيميرا آخر ممتلكات مملكة أرواد السورية إلى الجنوب من الساحل السوري.

سكنها الإنسان منذ عصور ما قبل التاريخ وترك آثاراً فخارية ومنحوتات وأدوات منذ الألفية التاسعة ق.م. في تل كزل (سيمير) 9000 ق.م.

الاستيطان البشري

إن سهل عكار يتمحور حول ثلاث مواقع رئيسية وهي: تل عرقة في جنوبي النهر الكبير الجنوبي، وتل كزل وتل جاموس شمال النهر الكبير الجنوبي، وكل موقع يطل على قسم من سهل محدد بالنهر الكبير ورافده الرئيسي (نهر العروس)، ويبعد كل موقع عن الآخر من 15-20 كم، أما المواقع الأخرى فتنقسم الى فئتين:

أربعة مواقع متوسطة لها وظيفة نوعية (مراقبة الطرقات) وهي تل (فراش، سفرون، بصيصة، وماندر).

مواقع صغيرة وتتجمع خاصة حول تل كزل مثل تل (زبيب، سمريان، لحة، أبو عبيد)، وتشكل مع سفرون دائرة شبه كاملة.

من الواضح أن هذه الشبكة المكتظة بالمواقع الأثرية لم تكن محتلة بصورة مستمرة أو منتظمة، غير أن هناك ثلاث فترات من الاستيطان تظهر بوضوح وهي العصر البيزنطي، العصر الهلنستي، ونهاية الألفية الثالثة وبداية الألفية الثانية ق.م. من الملاحظ قلة اللقى الفخارية العائدة إلى النصف الأول قبل الميلاد بالرغم من التلال الرئيسية الثلاثة كانت محتلة وقتها، وبالتأكيد منذ زمن طويل (في عرقة) مستويات نهاية الألفية الثالثة ق.م. توجد تقريباً على ارتفاع 20 متراً فوق قاعدة التل، وتل كزل 25 متراً وتل جاموس حوالي 15 متراً فاٍن الأمر ليس كذلك حتماً بالنسبة للمواقع الثانوية اٍلاّ أن غزارة المادة بالنسبة للبرونز القديم الثالث وخاصة الرابع تشير إلى بدء أهمية منطقة السهل واحتلالها المكثف.

واٍن المنطقة تعمل كوحدة ثقافية متجانسة فالخزف على وجه الافتراض لا يختلف من موقع إلى آخر ويتصف بصفات محلية ومميزة ومتشابهة من حيث طريقة الصنع والأشكال والعجينة المستعملة والشوائب وهو شبيه بالخزف المستورد من سورية الداخلية الموجود رغم قلته فوق جميع المواقع تقريباً.

استمرت المنطقة بالتطور في نهاية البرونز القديم الرابع وعلى الأخص التكثيف لشبكة النقاط الآهلة بالسكان، أضيفت إليها مواقع صغيرة في البرونز الوسيط تل (عدس، قبيبة)، وفي البرونز الوسيط الثاني إلى أن وصلت أعلى حد في كثافتها السكانية، ثم تقف هذا التطور حوالي منتصف الألفية الثانية ق.م. حيث نجد العصر البرونزي الحديث قليل التمثيل باستثناء تل كزل بالتأكيد، والقليل من التلال (بصيصة، لحة، زبيب، سمريان) ترتبط جيداً مع نتائج تل عرقة وكذلك الأمر بالنسبة إلى العصر الحديدي، نجد قلة المادة الملتقطة خلال أعمال التنقيب كالطلاء الأحمر المميز جداً في عرقة والخزف الپرگامي أو المستوردات القبرصية الظاهرة بشكل جيد في تل كزل بينما لا نجد ذلك في أغلب المواقع على الرغم من قربها من بعضها، وربما كان ذلك نتيجة التدمير والهجرة التي سببها الغزو الآشوري حوالي عام 740 ق.م. (الحريق والذي تشهد به النصوص في تل عرقة) وسبب تمركزاً للمنطقة فوق تل كزل.

 

التاريخ المسجل

وقد استخدمها بعض الأمراء وحتى الفراعنة "المصريين" كمصيف ضمن دولتهم لما كانت تتمتع به من طبيعة ومناخ، وكانت لها حامية وسور. وكانت في العهد الفينيقي كإقليم تحكم نفسها ذاتياً كبقية الأقاليم المجاورة.

ورد ذكر اسم مدينة سيميرا / تل كزل، في الكثير من المراجع، وقد فتش بعض علماء الآثار عن هذه المدينة الضائعة في المنطقة المشار إليها لتحديد مكان وجودها. وبعد تفحص تلول المنطقة المتوقع التواجد فيها وهي جنوب مدينة طرطوس، ما يوحي أن هذه المدينة كانت قائمة في المنطقة الواقعة جنوب مدينة عمريت (ماراتوس القديمة) من منطقة نهر الكبير الجنوبي وشمال منحدرات جبال لبنان. رأوا أن أفضل تل يمكن أن يكون مدينة "سيميرا" هو مرتفع يتميز بكبره واتساعه، يسمى حالياً تل الكزل، وكما يقول استرابون: كانت سيميرا آخر ممتلكات أرواد إلى الجنوب. يتبين مما ذكر أن تل كزل يمكن أن يكون هو موقع مدينة سيميرا القديمة.

تحتمس الثالث في تجريدته الثانية إلى سورية بنى أسطولاً لنقل القوات بحراً، فهبط في منطقة بلبنان حيث احتلوا أولازا Ullaza (على بعد بضعة كيلومترات شمال طرابلس الحالية) ووكانت تابعة لدولة تونيپ Tunip، الخاضعة بدورها للميتاني. ومن أولازا استولى على بلدة غير بعيدة عن أرداتا Ardata. كما أخضع الأسطول سيميرا Sumur، والتي كانت تابعة أيضاً لتونيپ. أولازا وسيميرا (أو سومور) وأرداتا وإرقاتا (أيضاً في تلك المنطقة) كن النقاط الرئيسية للحكم المصري في سورية.

كبير أپيرو apiru، عبدي أسيرتا Abdi-Asirta، كان قد استولى تقريباً على كل بيبلوس، فلم يبق للملك سوى العاصمة ومدينتين أخريين، أما باقي البلدات والقرى فقد سقطوا في أيدي العموريين Apiru/Amurru‏. وفي ذلك الوقت حدث هجوم غير متوقع من أمير سهلال Sehlal العمورية، يمايا Yamaya، الذي استولى على سومور بينما كان حاكمها پاهاناتى في رحلة إلى مصر. ثم استولى عبدي أسيرتا على باقي الإقليم وهاجم سومور، وهزم يمايا واستولى على المدينة. وبالرغم من كل هذا، فقد تمكن عبدي أسيرتا من الإدعاء أنه خاضع لمصر وأنه احتل سومور لحمايتها من عدوان يمايا، وكان ذلك في ستة من رسائل تل العمارنة (EA#060 إلى EA#065). وأخيراً نال اعتراف المصريين بمُلكه.

الرسالة EA 161، عزيرو إلى فرعون، يشرح سبب غيابه، (الوجه، السطور 1-22، الفقرة I-III)

السطر 3: 7 و7 مرات، يا إلهي، يا شمسي، أنا أسجد، (7 شو أُو 7 (مرّات) آن-يا، أوتو-يا -أَم-قوت).

سومور استعادها المصريون بعد وفاة عبدي أسيرتا، إلا أن ابنه عزيرو استولى عليها، وواصل الولاء الشكلي لفرعون مصر، الذي كان أخناتون (1352-1336 ق.م.).  وضمن أرشيف رسائل تل العمارنة، نجد ست رسائل إلى أخناتون ومسئولين مصريين (EA#164 إلى EA#169)، يشكو فيها من تصرفات المسئولين المصريين المحليين، بينما يقدم الوعود بإعادة بناء سومور، التي دمرها حصاره إياها ثم اجتياحه لها.

وفي 1330 ق.م.، أصبحت سومور جزءاً من مملكة عمورو حين خضعت للحيثيين.

في العصر الروماني حوصرت وبسبب التحصينات لم تسقط ولكن تمكنوا من حرقها، ومن دأب الإنسان بالهجرات المتكررة، كهجرته الآن بين المدينة والريف، وحب الإنسان للأماكن المرتفعة نشأ تل كزل، بجلب التراب من حوله وتسوية سطحه لإنشاء المسكن من جديد، وهذا ما يفسر انخفاض المنطقة المجاورة عن بقية السهل "سهل عكار" وهو متوقع أن يكون من سبع طبقات، والتنقيب مازال بالطبقة العلوية السابعة.

التنقيب والاكتشافات

وافقت المديرية العامة للآثار والمتاحف على إجراء بعض الأسبار فيه للتأكد من هوية مخلفاته الأثرية، وهي تقابل عهود مدينة سيميرا. وقد أجريت فيه ثلاثة أسبار خلال ربيع عام 1956 ووصل الحفر حتى طبقة البرونز الحديث، كما عملت البعثة المنقبة فيه بثلاثة مواسم في الأعوام 1960 و1961 و1962م، وحالياً تعمل في الموقع بعثة من الجامعة الأمريكية في بيروت، أثبتت هذه التنقيبات وجود العصر الروماني والهلنستي وعصر الحديد والبرونز الحديث، كما أكدت ازدهار المدينة في العصرين الهلنستي والفارسي. وقد قضي على مدينة سيميرا في العصر الروماني مثل مثيلاتها من المدن الساحلية الفينيقية، التي كانت موجودة كمدينة أرواد وماراتوس (عمريت)، وذلك لمصلحة المدن الكبيرة الجديدة. وتشاهد مخلفات العهد الآشوري في تل الكزل شأن كل مخلفات عصر الحديد، مما يدل على أن المدينة كان لها بعض الأهمية. أما الطبقة المعاصرة للبرونز الحديث، فهي عميقة. يأمل علما الأثار في المستقبل أن تعطي دلائل تؤكد هوية هذا الموقع كمدينة سيميرا القديمة. وتعرف باسم "أمورّو/عمورّو".

 

التنقيب كان على مرحلتين:

 

المرحلة الأولى

قام العالم الفرنسي (موريس دونان) بالتعاون (عدنان البني ونسيب الصليبي) في أعوام 1956 و1960 و1961 و1962 بحفريات الأولى ووصل الحفر إلى عهد البرونز الحديث.

 

المرحلة الثانية

انقطعت الحفريات لفترة كبيرة، ثم تم ترحيل سكانها إلى مكان مخصص لهم وكان ذلك في حزيران من صيف عام 1978، ولكن لم يبدأ البحث والتنقيب حتى الثمانينات من القرن الماضي ويتم هذا البحث لمدة شهر كامل "شهر آب" من كل سنة، والتنقيبات الحالية من قبل البعثة الأمريكية في بيروت. وجد الكثير من الأواني الفخارية السليمة والمكثرة، وفي إحدى المناطق تم اكتشاف الكثير من الهياكل العظمية للبشر والأحصنة، مما يرجح أنها من مخلفات معركة.

مكتشفات عام 2006: منطقة المعبد حيث تم الكشف عن عدة جدران وبعض اللقى الاثرية منها صحون فخارية وأباريق زيت وسراج فخاري تعود إلى عصر البرونز الحديث. ‏

مكتشفات عام 2007: تم الكشف عن غرف سكنية وتنور وأرضيات حجرية وجصية ومخزن متوسط الحجم ومجموعة من اللقى الاثرية الهامة منها أجران بازلت ورأس دمية طيني وأباريق فخارية وخرز صوان مشغول. وتم العثور في موقع الكراجات الجديدة على بقايا جدار مقطوع من الجهة الغربية مبنى من الحجارة الكلسية المقصوصة بارتفاع ثلاثة مداميك في الجهة الشرقية والى الجنوب من هذا الجدار تظهر أرضية مبلطة ببلاط حجري مع أرضية كلسية كانت أساسا للبلاط الحجري إضافة إلى نقود برونزية ومجموعة من الكسر الفخارية المختلفة والتي تعود لاوان متعددة منها سراج وأوان فخارية ضخمة ولكن المميز في اللقى العثور على خرزة صغيرة مصنوعة من الحجر الهش الأزرق بشكل جعران مصري على قاعدته نحت بسيط ربما كان ختما.

ومكتشفات أثرية أخرى مثل جرار وأواني فخارية سليمة ومكسرة مختلفة الأشكال والأحجام والألوان، وأجزاء من تماثيل فخارية صغيرة وجواريش ومدقات حبوب من البازلت وأوزان حجرية من البازلت وثقالات مغازل ودواليب وأنصال وشفرات من الصوان وعقود خرزية متميزة بألوانها وأشكالها المتنوعة وتقنيات صناعتها العالية الجودة والفريدة من نوعها وتعود للعصر الفينيقي وتعكس مدى التطور والتقدم في الصناعة التي اشتهر بها الفينيقيين.

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019