بيان حقائق القضية الفلسطينية بقراءة محور المقاومة

الثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 14:39 بتوقيت غرينتش
بيان حقائق القضية الفلسطينية بقراءة محور المقاومة

لقد كانت قضية فلسطين – ولا تزال - ميزاناً فارقاً تقاس به الأفكار والمواقف، وتنكشف عبره التوجهات، فنراها تضع الحكومات والشعوب على المحكّ، في مواجهة خياراتها وتمحيصِ صدقِ انتماءاتِها.

 

 كلمة ممثل الإمام الخامنئي في سورية حجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ حميد الصفار الهرندي في الملتقى العلمائي "ملتقى الأقصى لنصرة أهلنا في غزّة وفلسطين":

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ‏ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ‏ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمين‏

نلتقي اليوم في ظلال هذه الأحداث التي تزرع في قلوبنا مزيجاً من فخر وألم، فخرٍ بما حققه رجال المقاومة الفلسطينية الأبطال في وجه عدو الإنسانية والأمة، وألمٍ لفظاعة ما نراه من مجازرَ وحشية لفّها صمتٌ وتواطؤ مفضوحٌ من قوى العالم التي تدّعي التحضر وحقوق الإنسان.

لقد كانت قضية فلسطين – ولا تزال - ميزاناً فارقاً تقاس به الأفكار والمواقف، وتنكشف عبره التوجهات، فنراها تضع الحكومات والشعوب على المحكّ، في مواجهة خياراتها وتمحيصِ صدقِ انتماءاتِها، وكانتْ عملية طوفان الأقصى المباركة وما تلاها من هجوم صهيوني أمريكي وحشي، مفترقاً جديداً يضع العالم أمام واجباته، في مواجهة أعداء الإنسانية، مِن ْمروّجي الشعارات الفارغة ذات الوجهين، كما كانت هذه الأحداث مَفصلاً مهماً يستلزم وقوف الأمة الإسلامية أمام مسؤولياتها الشرعية والأخلاقية.

وإذا كنا نتحدث عن مسؤوليات الأمة تجاه ما يجري فلا شك في أن علماء الدين هم أصحاب المبادرة الأولى والصوت الأجلى في بيان الحقيقة ومواجهة محاولات طمس التاريخ وتشويه الذاكرة التي يمارسها العدو المتربص بنا، ويعينُهُ على ذلك أذيالُهُ من المتخاذلين المطبّعين اللاهثين وراء عزة دنيوية كاذبة ثمنُها الكرامة والمصير، غافلين عن قول الله تبارك وتعالى »مَنْ كانَ يُريدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَميعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَديدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُور».


أيها العلماء الأجلاء:

عدوّنا الغاشم – الأصيلَ منه والوكيل- يدرك جيداً أن معركتنا الوجودية ضده إنما تبدأ على مستوى الوعي والهوية والانتماء، وتتجلى في مراحلها التالية في المواجهة بشتى صورها، لذلك يسعى هذا العدو جاهداً لنقضِ عُرى هذا الانتماء، ولا سيما لدى الأجيال الجديدة، عبر بث روح اليأس من المواجهة والنصر، وإشاعة المفاهيم المقلوبة المنفصلة عن منطق الأمور، وطرح البدائل الفكرية والسياسية والتاريخية المسمومة، التي لن تؤدي في حال رواجها ونجاحها - لا سمح الله - إلا إلى خلقِ أجيالٍ ممسوخة في أفكارها وسلوكياتها، أجيالٍ اختلطتْ لديها المفاهيم، وأضاعت البوصلة، ودخل عليها العدو اللدود متنكراً في زِيّ الصديق الودود.

ولا يخفى على السادة العلماء وعموم أهل الوعي والبصيرة المتابعين للأحداث حجمُ الضخّ المعادي الذي يملأ آفاق وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وينزلق إليه - عن غفلةٍ - بعض أبنائنا وإخواننا، سعياً إلى حسم المعركة على مستوى الفكر قبل الاضطرار إلى المواجهة الفعلية في ساحات النزال، التي يخشى العدو من كونه غير قادر على الثبات فيها، بل يعلم من تجاربه السابقة عجزَهُ عن ذلك. فالواجب إذاً أن نعمل على تعريف أبنائنا بحقيقة الصراع وتاريخه، عبر امتلاك ناصية الخطاب الشبابي العصري المؤثر.

نعم، إن محورية قضية فلسطين والأقصى الشريف يجدر بها أن تكون الجامع والدافع لأولي الألباب والبصائر والهمم العالية، ولا سيما علماء الدين، ليعيدوا رصّ الصفوف وتثبيت أركان الوعي وشحذ الأسلحة في مواجهة هذا الهجوم الوحشي على الأرض والمقدسات والأرواح، عملاً بأمر الله تبارك وتعالى « وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‏ءٍ في‏ سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ».

وإن من عناية الله تعالى وحُسن توفيقه للمجاهدين أن حملتْ عمليتهم البطولية هذه اسمَ المسجد الأقصى الذي هو قلبُ القضية النابض وروحُها الخلاقة التي تَحولُ دون ما يشتهيهِ العدو الغادر من تصفية القضية ومسحها من وجدان الأمة، وهنا حقَّ لنا أن نعجب كل العجب، مما نراه من صمت كثير من حكومات وشعوب عالمنا الإسلامي، مع جلاء الأمر وشدة خطورته، فالمستهدفُ هو واحد من أقدس مقدسات الأمة، والعدو المتربص هو الذي وصفه القرآن الكريم بأنه الأشد عداءً للمؤمنين فقال الله تعالى »لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ قالُوا إِنَّا نَصارى‏ ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ«

لذلك أيها الإخوة الكرام، تبقى المقاربة التي يقدمها أهلُ الثبات القابضون على سيوف عزة الأمة، المقاومون الرافضون لكل معاني الخنوع، هي المقاربة التي تنطلق من صفاء الرؤية، وتلامس منطق الحق، وفي هذه السطور نضيء على مقتطفات من كلمات الإمام الخامنئي (دام ظله)، لندخل من خلالها إلى الأفق الفكري والعملي الذي يقرأ عبرَهُ محور المقاومة طبيعة الصراع ومآلاتهِ.

لقد أكد سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) في تعليقه على عملية طوفان الأقصى وما تلاها أن "قضية فلسطين والأحداث الجارية في غزة اليوم في مقدم قضايا العالم الإسلامي"، وبيّن أن "قضيّة غزّة قضيّةُ مظلوميّة من جهة، لكن إلى جانب هذه المظلوميّة هناك صبرُ هؤلاء الناس وتوكّلُهُم. حيث أراد العدو أن يُجبرهم على الاستسلام لكنهم لم يفعلوا.

لقد كانت ضربة طوفان الأقصى "ضربة مصيرية على الصهيونية" على حسب تعبير الإمام الخامنئي، الذي أكد على أنها ضربة غير قابلة للترميم، إلى درجة أنها كانت سبباً لتوافد رؤساء الدول الظالمة على الكيان المعرّض للتلاشي، وقال سماحته: لو أنّ خطر التلاشي والزوال لم يتهدّد الكيان الغاصب، ما رأى أشرار العالم هؤلاء أنفسهم مضطرّين إلى أن يتوافدوا واحداً تلو آخر إلى هناك ويعربوا عن تضامنهم عبر مدّه بالأسلحة والقنابل المَهولة وما إلى ذلك، ليصل سماحته إلى الحكم بأن: "أمريكا شريك حتمي في جريمة المجرمين".

نعم، إنها شريكة في هذه الجريمة الجديدة التي فاقت جرائمها السابقة حتى إن الصهيونية هذه المرة قد تفوقت على نفسها في الهمجية، على حد تعبير الرئيس الدكتور بشار الأسد، مما يستدعي تصنيف "الجيش" الإسرائيلي منظمة إرهابية كما دعا إلى ذلك الدكتور إبراهيم رئيسي.

إن هذا العدوان الأخير على غزة ليس حدثاً منفصلاً عن سياقه التاريخي ولا مفاجأة في مسار التعاطي مع هذا العدو المجرم، بل إن هذا العدوان كما قال الرئيس الدكتور بشار الأسد هو "مجرد حدث في سياق طويل يعود إلى خمسة وسبعين عاماً من الإجرام الصهيوني، مع اثنين وثلاثين عاماً من سلام فاشل"

وعن نفاق الغرب وازدواجية معاييره في التوصيف تساءَلَ سماحة الإمام الخامنئي مستنكراً: هل مَن يدافع عن دياره ووطنه أمام العدوّ إرهابيٌّ؟ هل الفرنسيون الذين قاتلوا الألمان في باريس في الحرب العالمية الثانية إرهابيون؟ فكيف يكونون مناضلين ومبعثَ فخرٍ لفرنسا في حين أن شباب "الجهاد الإسلامي" و"حماس" إرهابيون؟

إن هذا الذي يسمونه إرهاباً هو الذي وقف حائلاً دون تنفيذ مخططات الاستكبار لتدمير المنطقة برمتها، وإلى ذلك أشار الدكتور رئيسي في كلمته أمام القمة الطارئة في الرياض قائلاً: لو أنّ المقاومة في غزة ولبنان لم تواجه الاحتلال لكان نقلَ الحرب إلى الدول العربية والإسلامية.

ووضعَ الإمام الخامنئي حكومات المسلمين أمام مسؤولياتها الشرعية والإنسانية قائلاً: «إذا لم تساعد الحكومات الإسلامية فلسطين اليوم، فستكون بذلك قد عَزَّزت عدوَّ فلسطين، الذي هو في الواقع عدوُّ الإسلام والإنسانية، وسوف يتهدّدهم هذا الخطر نفسُه غداً". وأضاف سماحته: «ينبغي للحكومات الإسلاميّة أن تصرّ على الوقف الفوري لهذه الجرائم التي يرتكبها الصهاينة، وليُغلقوا مسار تصدير النّفط والبضائع إلى الكيان الصهيوني، ولتمتنع الحكومات الإسلاميّة عن التعاون الاقتصادي مع الكيان، وليستنكروا في المحافل العالميّة كافة وبصوت مرتفع هذه الجريمة وارتكاب الفجائع هذا دون أيّ تردّد وبلا تلعثم أو مواربة».

وإلى أهمية العمل المشترك أشار رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد إبراهيم رئيسي الذي قال: "إن كل مشاكلنا تُحَلّ بالوحدة ونريد أن نتخذ قراراً تاريخياً وحاسماً بشأن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية"، وقال: "إن من شأن منظمة التعاون الإسلامي أداءَ دور صحيح يجسد معاني الوحدة والانسجام"

هذه الوحدة التي يؤكد السيد رئيسي على انتهاجها سبيلاً لنصرة فلسطينَ المظلومةِ، هي البديل الواقعي لما يسمى مبادراتِ السلام والتي لم تنتج – كما قال الرئيس الأسد - إلا معادلةً سياسيةً مفادها بأنّ المزيد من الوداعة العربية معهم تساوي المزيد من الشراسة الصهيونية تجاهنا، وأنّ المزيد من اليد الممدودة من قبلنا تعادل المزيد من المجازر بحقنا.

وهذه الوحدة إنما تتجلى في أقوى صورها باعتماد خيار المقاومة، كل أشكال المقاومة، بوصفها الخيار المنطقي والطبيعي والأخلاقي، في ظل غياب أية حلولٍ أخرى، فالوضع هو كما وصّفه الرئيس الأسد حيث قال: لا وجود لشريك ولا لراعٍ ولا لمرجعية، ولا لقانون، ولأنه لا يمكن استعادة حق، والمجرم أصبح قاضياً، واللص حكماً وهذا هو حال الغرب اليوم.

وفي حين أنّ الأصواتَ النشاز وأبواقَ التخاذل والتطبيع تحاول الترويج للحلول التخديرية المحكوم عليها سابقاً بالفشل، تتجلى جرأة الحق في البيان الذي تقدمه قوى محور المقاومة في مقاربتها للواقع الفلسطيني، وهذا ما أكد عليه الدكتور إبراهيم رئيسي في كلمته أمام قمة الرياض، حيث قال يجب على الدول الإسلامية أن تسلح الشعب الفلسطيني لمواجهة الكيان الصهيوني، وقال إنّ الحل المستدام هو إقامة دولة فلسطينية من البحر إلى النهر، وحذّر من مغبّة الخروج بمقررات ضعيفة من القمة معتبراً أنه إذا لم يسفر الاجتماع عن اتخاذ خطوات سيؤدي ذلك إلى خيبة أمل لدى الشعوب الإسلامية.

وفي الخلاصة يجدر بنا أن نشير إلى مبادرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحل للقضية الفلسطينية سياسياً، حيث تضمنت النقاط الآتية:

عودة كافة اللاجئين الفلسطينيين في شتى أنحاء العالم إلى أرض أجدادهم وآبائهم.

إجراء انتخابات بمشاركة السكان الأصليين (بدون المهاجرين) للأراضي الفلسطينية من مسلمين ومسيحيين ويهود لانتخاب ممثلين عنهم.

اختيار نظام الحكم على أساس الاستفتاء الشعبي العام للسكان الأصليين.

أن يحكم من يتم انتخابه كامل الأراضي الفلسطينية.

هذه هي خارطة طريقنا المنسجمةُ مع انتمائنا وواجبنا الديني والأخلاقي، وهذه هي رسالتنا التي ينبغي أن نوصلها إلى العالم بكل فاعلية واقتدار، لنقطع الطريق على محالات تشويه طبيعة المواجهة وتغييب الصورة الحقيقية للعدو المتربص، وتخذيل الأجيال الصاعدة، ولا سبيل لذلك إلا التوكل على الله تعالى ناصرِ المؤمنين المجاهدين، وإعداد كل عناصر القوة المادية والمعنوية، وفي مقدمتها سلاح وحدتنا وتكاتفنا، ِ وَاللَّهُ غالِبٌ‏ عَلى‏ أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون‏

عاشت فلسطين حرة أبية، والنصر للمجاهدين الأبطال والخزي والعار لمجرمي العصر الصهاينة ورعاتهم من قوى الاستكبار

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019