الأقمار الصناعية.. كيف تساهم بالحدّ من التغير المناخي؟

الجمعة 23 فبراير 2024 - 06:30 بتوقيت غرينتش
الأقمار الصناعية.. كيف تساهم بالحدّ من التغير المناخي؟

تتجه الكرة الأرضية نحو الغليان بوتيرة سريعة قد تبدو في كثير من الأحيان خارجة عن السيطرة، وهذا ما بدأنا نشعر به في بقاع الأرض بشكل جلي جداً، فقد كان شهر يوليو/تموز 2023 الشهر الأكثر سخونة على الإطلاق، وحدّة الظواهر الجوية وتواترها في تصاعد مستمر، ما يستدعي تكاتف جهود القوى العظمى المؤثرة في العالم لاستدراك الأمر قبل فوات الأوان.

ومن ضمن الجهود في هذا المجال، يبرز استخدام الأقمار الصناعية في مكافحة التغير المناخي، لكونها تُعدّ وسيلة فعالة للحصول على بيانات وتحليلات عالية الدقة يحاول العلماء والباحثون من خلالها طرح الحلول المختلفة التي من شأنها التخفيف من حدة تدهور كوكبنا في مواجهة التغير المناخي وآثاره.

أقمار سينتينال 2

تعد الأقمار الصناعية سينتينال بمثابة أسطول من الأقمار الصناعية المصممة خصيصاً لتقديم ثروة من البيانات والصور الأساسية لبرنامج كوبرنيكوس التابع للمفوضية الأوروبية.

ويحمل سينتينال 2 جهاز تصوير متعدد الأطياف مبتكرا واسع النطاق وعالي الدقة مع 13 نطاقاً طيفياً تغطي زوايا مختلفة من الأرض، ويوفر الجمع بين الدقة العالية والقدرات الطيفية هذه عرض الأرض بشكل غير مسبوق، وذلك ضمن رقعة تغطي مساحة 290 كلم.

سينتينال 2 يحمل جهاز تصوير متعدد الأطياف مبتكرا واسع النطاق عالي الدقة مع 13 نطاقاً طيفياً تغطي زوايا مختلفة من الأرض (وكالة الفضاء الأوروبية)

وضمت مهمة سينتينال 2 إطلاق قمرين صناعيين متطابقين في نفس المدار على بعد 180 درجة للحصول على التغطية المثلى لكامل سطح الأرض والجزر الكبيرة والمياه الداخلية والساحلية كل خمسة أيام.

ويجدر بالذكر أن كلا القمرين يُشغلهما فريق مخصص للتحكم بالطيران من مركز عمليات الفضاء الأوروبي (إيسوك). وأُطلق قمر سينتينال 2 إيه في المدار منذ عام 2015، وأُطلق سينتينال بي 2 بعده بعامين، واستمر إطلاق هذه الأقمار بمهام مختلفة آخرها كان سينتينال 6 عام 2020.

وبصورة عامة، يذكر أنه يوجد ما يزيد على 5000 قمر صناعي عاملة حتى يومنا هذا، تُمكنّا من اكتشاف استخراج الموارد غير القانونية، وعمليات التعدين وقطع الأشجار الجائر وصيد الأسماك، ويمتلك بعضها أجهزة استشعار متخصصة لقياس مصادر انبعاثات غازات الدفيئة.

دعم الزراعة والغطاء النباتي

بينما يحاول العلماء فهم تأثير المناخ على الأشجار والغطاء النباتي، فإن التقدم في تكنولوجيا التصوير يساعدهم على رؤية كل من الغابة بأكملها وكل شجرة على حدة كما لم يكن متاحا من قبل.

ومن أمثلة ذلك ما قام به الأستاذ مساعد في العلوم البيئية في كلية الآداب والعلوم بالجامعة الأميركية بواشنطن البروفيسور مايكل ألونزو في بحثه الحديث الذي نُشرت نتائجه قبل عدة أشهر، وقد أجراه بمساعدة أقمار صناعية صغيرة الحجم لا يتعدى وزنها بضعة كيلوغرامات يطلق عليها اسم كيوب ساتز والتي أُطلقت في مدار أرضي منخفض بهدف الحصول على صور أكثر دقة لقياس استجابة الأشجار لارتفاع درجات الحرارة.

 قال ألونزو: "إذا أردنا معرفة ما إذا كان نبات معين يغير أحداث دورة حياته بسبب الاحترار، فنحن بحاجة إلى القيام بعمل أفضل في تكبير صورة النبات على مستوى فردي وكيفية تفاعله مع البيئة".

وحلل ألونزو وزملاؤه صورالكيوب ساتز أثناء مواسم النمو بين عامي 2018 و2020 لمساحة غطت أكثر من 10000 شجرة في شوارع واشنطن، في عينة تضمنت 29 نوعاً من الأشجار ذات الأوراق العريضة.

وبتجميع مئات الصور التي التُقطت كل يوم تقريبا، راقبوا توقيت ظهور اللون الأخضر في الربيع، وكذلك فقدان كل شجرة أوراقها في الخريف، واستطاعوا في النهاية تحليل مقدار طول موسم نمو الشجر، وحساب نسبة تأثير عوامل مختلفة على هذه الفترة، ومن بينها نوع الشجرة وموقع الزراعة ودرجة حرارة الهواء، وهو ما يساعد في المحصلة على فهم معمق للنظم البيئية واستجابتها للحرارة.

ومن جانب آخر وعلى صعيد أكبر، اعتمد العلماء -الذين يراقبون التدهور الحاصل في الغابات الاستوائية- وحتى وقت قريب وبشكل أساسي على صور الأقمار الصناعية متوسطة الدقة، وقدمت البيانات الناتجة نظرة سنوية على الغابات الاستوائية بدقة 30 مترا، وذلك على الرغم من أن هذه الجهود كانت مفيدة في  تتبّع الآثار طويلة الأجل في خسارة الغابات، لكنها لا تمكنّا من رصد الدمار أثناء وقوعه.

وعليه، فمن المزمع إطلاق قمر "نيسار" -الذي يمثل ثمرة تعاون بين وكالتي الفضاء الأميركية والهندية- خلال الربع الأول من هذا العام في مهمة مدتها ثلاث سنوات، وسيكون باستطاعة نيسار مراقبة كامل سطح الأرض كل ستة أيام باستخدام الرادار.

ووفقا لوكالة ناسا، فإن الإشارات من رادار قمر نيسار باستطاعتها اختراق مظلة الغابات والوصول لجذوع الأشجار والأرض في الأسفل، ومن خلال تحليل الإشارة التي تنعكس مرة أخرى سيتمكن الباحثون من تقدير كثافة الغطاء النباتي في منطقة صغيرة تقارب حجم ملعب كرة القدم.

 يكمن تميّز نيسار بأنّه سيمرّ على نفس المكان كل ستة أيام، وبالتالي سيكون قادراً على رسم صورة في الوقت الفعلي تقريباً لفقدان الغابات على مستوى العالم. ولأن القمر الصناعي سيكون قادراً على رؤية أرضية الغابة كذلك، فبإمكانه تقديم بيانات وأدلة على سبب فقدان الغابات أيضاً، سواء أكان المسبّب حريقاً أم مرضا أم قطع الأشجار.

يجدر بالذكر كذلك إطلاق برنامج كروب ووتش في مجال الابتكار التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2021 بهدف استخدام الأقمار الصناعية لمراقبة الأرض ودعم الزراعة والمزارع، وقد جرى في أغسطس/آب من العام الماضي تأهيل 11 دولة من جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط بالمهارات والمعرفة اللازمة لتكييف نظام كروب ووتش مع المتطلبات المحلية.

ويَستخدم كروب ووتش أنظمة الأقمار الصناعية للحصول على بيانات متعلقة بالمناخ والجفاف والآفات والأمراض لمراقبة ظروف المحاصيل وتحسين إدارة المزارع، ويساعد البرنامج على تخطيط أفضل لاحتياجات استيراد المحاصيل أو تصديرها، وآليات إنذار مبكر أكثر فعالية، وفي بعض الحالات تقييمات أسرع لأضرار المحاصيل بعد الكارثة.

الوقاية من حرائق الغابات.. أمر ممكن

يشير الباحث في مركز رال للفضاء في بريطانيا هيو مورتيمر إلى أنّ الأبحاث في تكنولوجيا الفضاء لا تتوقف أبداً، إذ يساهم مركز رال منذ الثمانينيات بتطوير ومعايرة سلسلة من الأدوات لدعم الأقمار الصناعية التي يمكنها قياس درجات حرارة سطح البحر والأرض بدقة غير مسبوقة، وقد عملوا مؤخراً على أداة لقياس درجات حرارة سطح البحر من مسافة 800 كلم بدقة تبلغ 0.2 درجة مئوية، أيْ ما يعادل الوقوف في بيغ بن بلندن والنظر إلى برج إيفل في باريس.

 ويساعد تدعيم أقمار سينتينال بكشافات حرارية حساسة للغاية كهذه على التقاط ما يمكن تصنيفه على أنه إشارة قوية على الأرض يمكن ترجمتها بأنها إنذار أولي للتنبؤ بحريق في الغابات في مكان ما على الأرض.

وتسمح هذه التقنية بالعمل الفوري مع مديري الغابات ودوريات الإطفاء لتوجيه الجهود إلى مكان بعينه في الوقت المناسب لمنع وقوع حريق، كما يمكنها توجيههم عند وقوع الحريق فعلا إلى مكان انتشاره بشكل دقيق، وذلك اعتمادا على ما يُطلق عليه الطاقة الإشعاعية للحريق، والذي يعبر عن مقدار الطاقة التي تنبعث من النيران.

وتُزوّد طواقم الإطفاء أيضاً بمعلومات مهمة عن الحرائق مثل أماكن النقاط الساخنة، وهو ما يساعد في اختيار أفضل طرق المكافحة. فمثلاً يكون لدى طاقم الإطفاء المعرفة المسبقة إن كان استخدام الماء أو مثبطات الحرائق الأخرى سيفيد في بقعة ما أم سيكون مضيعة للوقت والجهد، كما وتساعد البيانات التي يحصلون عليها على تحديد اتجاه انتشار النيران ومدى سرعتها، وهو ما يساهم في مكافحة حرائق الغابات بكفاءة أعلى.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019