"عن قرب" فيلم إيراني صنع في حب وعشق السينما

الإثنين 3 فبراير 2020 - 11:38 بتوقيت غرينتش
"عن قرب" فيلم إيراني صنع في حب وعشق السينما

فيلم "كلوز-أب" أو "عن قرب" للمخرج الإيراني القدير عباس كياروستمي من الأفلام القليلة التي تتحدث عن السينما والذي غير وجه السينما في العالم.


هو فيلم وثائقي يتحدث عن رجل فقير اسمه حسين سابزيان مولع بالسينما وعلى وجه خاص أفلام المخرج الشهير محسن ماخمالباف ، كان في الباص يوماً يتصفح سيناريو "راكب الدراجة الهوائية" والذي كتبه ماخمالباف لأجل فيلمه، وجلست بجانبه امرأة سألته عن الكتاب لأنها شاهدت الفيلم هي وابنيها وأعجبهم كثيراً، فقال لها بإمكانك أخذه فقد كتبته أنا، وبدافع الفضول والاستغراب، قالت المرأة هل أنت السيد ماخمالباف؟ فيكذب عليها ويقول نعم.


ومن هنا تبدأ علاقته المزيفة بهذه العائلة الميسورة الحال حيث يزورهم في منزلهم ويدعي أن المنزل مناسب لتصوير فيلمه القادم ويكون علاقة صداقة مع الأبناء الشباب حيث يقنعهم أنهم سيكونون أبطال فيلمه القادم.

بعد حوالي أسبوع تكتشف العائلة أنه خدعهم، وتستدعي صحفي يعمل لصحيفة سورش الإيرانية والشرطة التي تعتقله وتودعه السجن لينتظر محاكمته.


يقرأ كياروستمي قصة هذا الرجل عبر صحيفة سورش، ويقرر فوراً وقف عمله الحالي والبدء في تصوير فيلم عنه، فيذهب لزيارة سابزيان في السجن ويسأله عما يستطيع فعله لأجله فيقول: "بإمكانك تصوير فيلم عن معاناتي"، ثم في نهاية اللقاء يوصيه سابزيان بإيصال الرسالة التالية إلى ماخمالباف: "فيلم راكب الدراجة الهوائية جزء مني".


يذهب كياروستمي إلى المحكمة ليطلب إذناً بتصوير جلسة المحاكمة وبتقديم الموعد، فيحصل على ما يريد، ونشهد جلسة المحاكمة الفريدة من نوعها والتي تعرفنا على شخصية سابزيان المهتم بالآداب والفنون والسينما والذي يقتبس في إحدى مشاهد المحكمة من ليو تولستوي دفاعاً عن نفسه! حتى أن كياروستمي نفسه يتدخل أثناء المحاكمة ليسأل سابزيان عن دوافعه ونواياه وحبه للسينما.


المثير والغير اعتيادي في هذا الفيلم الوثائقي هو الدمج بين المشاهد الحقيقية (غير التمثيلية) مثل المحاكمة والمشهد الأخير في الفيلم حين يلتقي سابزيان بماخمالباف - وهو مشهد جليل وعظيم - وإعادة تمثيل المشاهد التي حدثت قبل ذلك من قبل نفس الأشخاص - فمشهد لقاء سابزيان بالسيدة من عائلة آهانخاه في الباص على سبيل المثال هو مشهد تمثيلي. كل الأصالة والإبداع يكمن في هذا الكسر بين التوثيق والتمثيل والذي أدى إلى فيلم مدهش ليس فقط من ناحية الإخراج بل وحتى من ناحية القصة الإنسانية الملهمة التي تغطي مواضيع الهوية والفقر وحب السينما. حلل البعض الفيلم على أنه يرمز إلى أزمة ضياع الهوية الإيرانية والبحث عنها بعد الثورة وإثر الحرب مع العراق، وفي لقاء لاحق مع كياروستمي، لم ينكر أن الفيلم قد يعني ذلك ولكنه ذكر أيضاً أنه لم يكن واعياً بذلك أثناء تصوير الفيلم.



أنهي باقتباس من سابزيان أثناء المحكمة يلخص مدى جمال هذا الفيلم:

"في كل مرة أشعر فيها بالحزن في السجن أتذكر هذه الآية من القرآن "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" ولكني لا أشعر بالسلوى.

كلما شعرت بالحزن والقهر أشعر برغبة بالصراخ للعالم حول معاناة روحي وكل العذابات والأحزان التي اختبرتها في حياتي - ولكن لا أحد يريد سماع ذلك. ثم يأتي رجل طيب ويصور كل عذاباتي في أفلامه بحيث أستطيع مشاهدتهم مرة تلو الأخرى، يصور الوجوه الشريرة التي تتلاعب بحياة الآخرين، الأغنياء الذين لا يكترثون لاحتياجات الفقير البسيطة. ولذلك شعرت بالاضطرار للتخفيف عن نفسي عبر قراءة ذلك السيناريو [يقصد سيناريو فيلم "راكب الدراجة الهوائية" لماخمالباف] أقرأه ليطمئن قلبي"

جميع الحقوق محفوظة لقناة العالم سورية 2019